أخبار اليوم

بعد عام كامل من الانعزال…كيف تخلّصت من وحدتي؟

“لا أتقبل أي شيء يأتي إليّ وأحذر من الأمل، أقلّ ما يمكنني فعله هو أن أدع الوقت يمرّ. شعرت بالوحدة لدرجة أنني أصبت بألم في الصّدر ولم أستطع التنفس. يقول الكثيرون أن الوحدة ليست بغياب الأشخاص، بل رغم وجودهم تبقى وحيداً” بهذه الكلمات وصفت لنا “سام” الفتاة العشرينيّة تجربتها مع الوحدة لمدّة عامِ كامل عاشت خلاله خليطاً من الأحاسيس التي يمكن أن يمرّ بها أي شخص من بينكم. من هي سام؟ وكيف تخلّصت من وحدتها وأصبحت فتاة ناجحة مليئة بالأمل؟ ستخبرنا “سام” في ما يلي تفاصيل أكثر عن التجربة التي عاشتها، وستقدم خبرة حياة ربما يمرّ بها الكثير من الشباب والشابات وخاصةً في لبنان بما أن الأحداث السيّئة تلاحقنا كل يوم!

” سام” تشارك تجربتها الشّخصية مع الوحدة

سيمار، ويطلقون عليها أيضا “سام”. تعيش في بيت متواضع، في احدى قرى لبنان، وتسعى قصارى جهدها من أجل تحقيق كل ما تحلم به.

الوحدة ليست بغياب الأشخاص، بل رغم وجودهم تبقى وحيداً”

 “سام” تروي لنا تفاصيل تجربتها

شعرت بالوحدة وعزلت نفسي لفترة طويلة، لكن ها أنا اليوم، مندمجة في المجتمع، حقّقت كل ما أتمناه، ونجحت في تغيير حياتي للـأفضل. قد يكون الخروج من الوحدة والعزلة صعب، لكنه ليس مستحيل. حاولت واستطعت!

مرّ شتاء 2020، و مازال الشعور نفسه يحتويني. انني مصمّمة على تحقيق طموحي، لقد تعهّدت على نفسي أن اتخطّى صعوبات حياتي رغم انعزالي ووحدتي. لما لا؟ أشعر أنني المسؤولة عن تغيير ظروفي، ولكن في الحقيقة لم يكن هذا الاستنتاج سهلًا، لقد تخلّلته تفاصيل مؤلمة، ولحظات قاسية للغاية.

لا أعتقد أن المرء يرغب بعزل نفسه، أي أنّ انعزالي عن هذا العالم لم تكن رغبة بل كنت أريد أن أعيش كالاخرين: أسهر واخرج إلى المقاهي مع الأصدقاء والأهل، أحتفل مع الأقارب بالمناسبات الخاصّة والرسميّة، وأعياد الميلاد وأحتفل بالنّجاح، اردت ان أكون انساناً يستمتع بلحظات حياته المتواضعة.

انّه شهر يوليو، ما من أصدقاء، وما من جيران وما من أحد. أجلس كلّ صباح على شرفتي لأحتسي الشّاي بمفردي. هنا علبة السّجائر وكتب للمفكّر الأخلاقي والروائي “ليو تولستوي” الذي تثير رواياته اعجابي، فهو مصلح اجتماعيّ  ويدعو للسّلام وينبذ العنف والكره بين الناس.

في البيت، يستطيع المرء أن يفعل ما يحلو له دون مراقبة، وأعتقد انّها حرّية خطرة، ولكي لا يفقد فيها المرء عقله وصوابه عليه أن يبقى منضبطًا أي أن يضبط مشاعره وأفكاره حتى لا ينحرف للسّوء. الّا أن الافكار تجرفني دائما وليس أحيانا، وأسأل نفسي اسئلة متكرّرة تدور في ذهني، هل سأجد ما كنت أبحث عنه خلال الوقت الذي قضيته بمفردي؟ شعرت أنني أغوص في الفراغ.

 بعد عامِ من العزلة، من أنا؟

اثنا عشر  شهراً من الوحدة، هل يستطيع أحدكم أن لا يخرج من منزله لمدّة عام كامل على الاطلاق؟ أستيقظ من النّوم ولكن لا قوة لديّ للنّهوض من الفراش و لا أحاول الخروج إلى الشارع، ولا يهمّني حتى ما يحدث في العالم الخارجي ولا أريد سماع الأخبار.

إنّ الوحدة شعور صعب، ورافقني لمدة طويلة وخفت منه أن يتمادى. انّه معقّد، القلق الاجتماعي، تدنّي احترام الذات ، الوقوع في فخ أفكاري التي أصبحت منطقة الرّاحة الخاصة بي وهو أمر خطير حقًا. لم أتمكّن أبدًا من إظهار صداقة محايدة، ولم أتناول كوبًا من الشاي من دون القلق.

اعتقد أنه ما كان صعبا هو عدم قدرتي للتحدث لأي شخص، لقد انعدمت قدرتي على التواصل، خائفة من الاستيقاظ، لأن النّوم كان المهرب الوحيد من هذا الشعور، الاستيقاظ كان صراعا، لأنني لم أرغب في مواجهة يوم جديد. وتارة أخرى، كان يصيبني العكس، حالة قلق غريبة وغير مفهومة، أي أنني لا أنام لمدة يومين متتاليين، فأستغل هذا الوقت لأدفع نفسي للعمل، باعتقادي أنني لا أريد أن أكون فاشلة. تناولت الكثير من الحبوب المضادة للاكتئاب ومن اجل ايقاف غرقي في التفكير المفرط. ألن يكون مزاجي أفضل اذا قتلتني هذه الحبوب؟ فليفعلوا ما بوسعهم فعله!

 صراعي بين الوحدة والتطابق مع المجتمع

إنّه سيناريو العزلة الطويل! قدراتي الذهنية متراجعة، ولا شيء يمنحني السعادة، إمّا نوم طويل للهرب من الواقع وإما نوم قليل ومتقطّع، والرغبة في فعل أي شيء منعدمة. لم أكن أرغب برؤية أحد، لقد كان دائما هذا الخوف، ماذا لو شعرت بالضّعف، ماذا لو انفجرت دموعي؟ يفرض العالم على المرء أن يبتسم حتى لو كانت الابتسامة مزيّفة، فهو يرفض حقيقة الانسان الداخلية أغلب الأحيان، ولا يجب أن نعكس ما في داخلنا للاخرين. الناس أصبحوا مهووسين بالعلم والنّجاح، وهذا الفهم للتربية أصبح يحظى بشعبية كبيرة في المجتمع ونادرًا ما نهتم بمشاعرنا.

أذكر كل اللّحظات التي مرّت وكنت أشعر فيها بالفشل والاستياء، كل الذين أعرفهم قد أنهوا دراستهم والتحقوا بعملهم واندمجوا في المجتمع. ولعلّي أردت الخروج من العزلة والوحدة ولكني كنت أخاف أن لا يقبلني العالم الذي يحيط بي، كنت أشعر من نظراتهم الغريبة أنهم يقولون “ها قد أتت الكسولة”.

لم تقتصر تأثيرات الشعور بالوحدة والعزلة على جانب صحّتي الذهنية والنّفسيّة فقط، بل تجاوزتها الى صحتي الجسدية، كنت أشعر بالصّداع الشديد والخمول والغثيان في معدتي. شعرت بالوحدة لدرجة أنني أصبت بألم في الصدر ولم أستطع التنفس ورغبة مفرطة بالبكاء المتواصل. كل هذه المشاعر كانت تؤذيني وكادت تنهيني الى أن شعرت بحاجة ماسّة لمن ينقذني…

وصرخت، أنقذوني من عزلتي، أنقذوني من وحدتي!

 لماذا لم ألفّ الحبل حول عنقي؟

في بعض الأحيان كنت أرغب بترك كل شيء خلفي، رائحة دخان السّجائر أصبحت طاغية في المنزل، لا أريد شمّها في أي مكان، انها جزء من ذكريات كثيرة.

تعمّقت بقراءة الكتب، قراءة تجارب البشر مع الوحدة، فمنهم من لجأ للانتحار، ومنهم من ادرك كيف يخرج من هذه الحالة. لم استطع أن أختار الاحتمال الأول، لأنّني بعد المعاناة بدأت النّظر الى الجانب الايجابي من حياتي. لا أريد البقاء هكذا، أنا أحبّ الحياة، أفلا تستحق نفسي فرصة أو محاولة أخرى؟

حاولتُ تبسيط أفكاري والسيطرة على التفكير المفرط

فتاة تجلس في البرية مع غروب الشمس

فتاة تتأمل غروب الشمس

قناعتي انني لم أختبر العالم الخارجي ولم أرى جماله، شعرت أن هناك الكثير من المغامرات تنتظرني، فالعالم كبير جدًّا. ادركت حينها انه عليّ توسيع أفكاري لأشياء أودّ ممارستها، أن لا أحصرها بالانتحار. انّها عملية تبسيط الأفكار والسيطرة على التفكير المفرط. لذلك، توقفت عن سؤال نفسي : ما الذي سيحدث ان بقيت وحيدة؟ ماذا لو مررت بأسوأ من ذلك؟  بصراحة، لم أهتم للأمر ولا أريد أن أحرق أعصابي، أريد فقط أن أعيش كلّ لحظة واحتفل بكل انجاز.

من أهمّ ما قرأته، أنه من أفضل الحلول لتخطّي الشعور بالوحدة والانعزال هو تقبل هذه المشاعر، لا قمعها ورفضها وتقبل شخصيّتي كما هي الان، أن أدع مشاعري تتدفّق بحرّية. لا بأس أن نمرّ بتقلّبات و لا بأس بالفشل، ثمّة أناس حوَّلوا نقاط ضعفهم الى نقاط قوة أثناء مرورهم في تجربة الانعزال والوحدة. فمنهم من قرّر أن يغيّر العالم عندما امتلك الشجاعة التي منحها لنفسه للوقوف مرّة أخرى. هذه المرحلة، يمتلك فيها الانسان متّسع من الوقت للتّعرف على الذات، وعلى الأنا التي في داخله ويغزّيها بالحب، فحب الذات هي خطوة أساسيّة من خطوات النّهوض. فقرّرت حينها أن أثق بنفسي، وأتجرّأ للخروج واكتشاف الحياة ، الناس…

 تعرّفتُ على ذاتي ومنحتها الثقة عبر مساعدة الاخرين

أوّل محاولة لي كانت عندما شاركت بعمل تطوعي مع جمعية خيريّة تهتمّ بذوي الاحتياجات الخاصة، أو المصابين باعاقة عقليّة أو جسديّة.

أحسست أنني أقدّم المساعدة بشكل مباشر، أُحدث فرقًا حقيقيًّا حتى لو كان بسيطًا في حياة من هم بحاجة للدّعم. ومن هنا انطلقت لأعمال تطوعيّة أخرى مع منظّمات غير حكوميّة تعنى بحماية حقوق الانسان، منها حماية حقوق الطفل والمرأة والمساواة الجندرية…

ساعدني العمل التطوعي على محاربة الاكتئاب، وكانت خطوة فعّالة للاحتكاك بالاخرين، البقاء بصحة جيّدة، اكتساب مهارات وظيفيّة قيّمة  كالأخلاق اللائقة ، وحلّ المشكلات، الصّبر، مهارات الاتصال، والعمل ضمن فريق.

الرقص ساعدني في تعزيز ثقتي بنفسي

بجانب ذلك، انضممت إلى فريق في أكاديميّة لتعلُّم الرقص الذي عزّز صحّتي الجسديّة والعقليّة من خلال تحسين المرونة ورفع الحالة المزاجية وتخفيف القلق. إنه أيضًا نشاط ممتع مفيد للعقل، ويزيد من القوة والثقة بالنفس ، ويبني الروابط الاجتماعية، ويمكن أن يقلّل الألم والتصلّب.

الرقص يساعد الأشخاص الذين يعانون من الوحدة ويحدث فرقًا كبيرًا، وهذا ما أكّدَته لي “يارا أنطون” وهي أخصائيّة الصحة النفسيّة والمعالجة النفسيّة “بالرقص والحركة” ، سأخبركم أهم الأمور التي قالتها لي:

  • الوحدة هي استجابة عاطفيّة عندما لا يتم تلبية حاجة الشخص بالتفاعلات والعلاقات الاجتماعية. ومع ذلك، من المهم ملاحظة أن الشعور بالوحدة لا يعني أن تكون وحيدًا، بل يتعلق الأمر أكثر بـ “الشعور بالوحدة”.
  • تجربة كل شخص مع الوحدة هي في الواقع مختلفة تمامًا، فبعض الأشخاص الذين يختارون قضاء المزيد من الوقت بمفردهم لا يشعرون بالوحدة وهم في الواقع سعداء تمامًا، بينما قد يشعر الآخرون بالوحدة في مثل هذه الظروف. بالمثل، يمكن للعديد من الأشخاص الذين لديهم الكثير من التبادلات الاجتماعية أو الكثير من الأشخاص المحيطين بهم الشعور بالوحدة ، وهذا هو الحال بشكل خاص إذا كان الشخص لا يشعر بالفهم أو التقدير من قبل الأشخاص من حوله.
  • يمكن أن تكون الوحدة ناتجة عن عوامل عدة: الحزن، الانفصال، تغيير الوظائف، تغيير المدن أو البلدان، الابتعاد عن الأسرة، الإعاقة….
  • يمكن أن يؤثر الشعور بالوحدة على صحة الشخص العقلية، خاصة إذا استمر هذا الشعور لفترة طويلة. وفي حال كان هذا الشخص يعيش في بيئة لا تتفهم حاجة الشخص للتوجه إلى طبيب نفسي للمساعدة، فستكون الآثار السلبية عليها أكبر. يمكنك دائمًا الاتصال بأخصّائي الصحة الذهنية والنفسية الذي يمكنه دعمك في فهم الأشياء، توجيه أفكارك، وإدارة مشاعرك.
  • الرقص هو نمط جديد لمعالجة الاكتئاب ويُعرف علميِّا باسم العلاج بالرقص والحركة أي Dance Movement Psychotherapy. هذا النهج الجديد يساهم نسبيًا في دعم الصحة العقلية والرّفاهية العامة. إنه شكل من أشكال العلاج النّفسي يعتمد على استخدام الحركة لاستكشاف ودعم الجوانب العاطفيّة والاجتماعيّة والمعرفيّة والجسديّة للذات. يمكن أن يكون DMP مفيدًا بعدّة طرق مختلفة، فهو يعزّز الوعي الذاتي، ووعي الجسم، احترام الذّات، التعبير عن الذّات، والاستقلاليّة الشخصيّة، والتّفاعلات الاجتماعيّة، والثقة في العلاقات، من بين أمور أخرى.

 

من أنا اليوم؟

لقد عانيت من الوحدة طوال العالم السابق، ولكن اليوم قررت أن أكون فتاة قوية قادرة بنفسها أن تخرج إلى العالم أقوى من أي وقت مضى. لم أدع الوحدة تقضي علي، بدأت أُعبّر بصوت عالٍ عن مشاعري ومخاوفي، وهكذا انطلقت برحلة الخروج من الوحدة.

من الناحية الشخصية، ذهبت عند اخصائي في علم النفس الذي ساعدني بالتعمّق بأحاسيسي، و هو  والتحدّث عما يقلقتي ووجهني نحو حصر الجهد الذي اسرفه على  الأفكار السلبيّة بالسعي لايجاد حلول يمكن أن تخرجني من حالتي.  لذلك، لا تخافوا أن تتوّجهوا إلى طبيب أو متخصص أو أي شخص يمكنكم التحدث معه حول ما تعانون منه.

من الناحية العمليّة، بعد أن أنهيت دراستي في الجامعة، وبعد البحث الطويل الغير مجدي على فرصة عمل، والذي كان جزءا من الأمور التي أدخلتني في الوحدة والاكتئاب، قررت اليوم البدء والمثابرة بمسيرة الخروج من وحدتي  والبحث ليس عن عمل بل عن فرص تدريب في مجال تخصّصي، وأنا أدرك تماماً أنه سيكون المدخل لإيجاد فرصة أحلامي.

 

Cet article t'a plu? n'hésite pas à le partager

الإشارات

التعليقات (0)